في صيف عام 2023, أعلنت جنوب إفريقيا, الدولة العضو في تكتل BRICS, عن قبول طلبات انضمام 6 دول جديدة في التكتل هم: (المملكة العربية السعودية, الإمارات العربية المتحدة, مصر, الأرجنتين في وقت سابق, إثيوبيا, إيران) اعتباراً من 1 يناير — كانون الثاني 2024, ويعتبر هذا التوسع هو الثاني من نوعه بعد انضمام جنوب إفريقيا إلى التكتل عام 2010 حيث كان التكتل يتألف من 4 دول هي: (البرازيل, روسيا, الهند, الصين) مشكلةً معاً نواة تكتل اقتصادي جديد ظهر في منتصف يونيو — حزيران عام 2009 تحت مسمى BRIC مأخوذةً من أول حرف من أسماء الدول المكونة له في البداية. لاحقاً أضيف حرف S ليعبر عن دولة جنوب إفريقيا في اسم التكتل BRICS.
اعتُبر هذا الإعلان عن الانضمام على أنه حدث تاريخي كبير ونواة تشكل تحالفات جديدة في المنطقة خصوصاً أنها تضم 3 دولاً منتجة للنفط بشكل رئيسي في منطقة الشرق الأوسط اثنتان منها دولاً عربية هما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة, خاصةً أن مبيعات النفط الخام تتم بالدولار الأمريكي مما جعل من إعلان انضمام الدول الست للتكتل بمثابة نهاية حقبة البترودولار التي بزغت في سبعينات القرن المنصرم, هذا بالإضافة إلى أن الانضمام سيزيد من حصة التكتل من حجم الاقتصاد العالمي إلى 29% بقيمة تزيد عن 29 تريليون دولار أمريكي مقارنةً بالعام السابق 2022 حيث كانت النسبة لا تتجاوز 26% بقيمة 26 تريليون دولار أمريكي تقريباً, وقد يجعل الأعضاء الجدد من مجموعة بريكس قوة كبرى في مجال السلع الأساسية، حيث توفر نسبة كبيرة من الصادرات العالمية من النفط والذرة والقمح.
وعلى الرغم من التوصل إلى صيغة الاتفاق والدعوة للانضمام, إلا أن العمل لم يكن بذاك السهولة المتوقعة, فقد علّق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هذه النقطة متحدثاً عبر تقنية الفيديو عن اعتماد البيان الختامي لقمة تكتل بريكس قوله: "كما تبين، لم يكن هذا العمل سهلاً، وقد أظهر الرئيس الجنوب إفريقي `ماتاميلا سيريل رامافوزا` مهارة دبلوماسية مذهلة في تنسيق جميع المواقف بما في ذلك تلك المتعلقة بتوسيع مجموعة بريكس".
أتى هذا التصريح بعد الحديث عن اختلافات في وجهات النظر بين دول التكتل حيث كانت بارزةً رغبات الجانبين البرازيلي والهندي بعدم توسع التكتل لأسباب عدة جلّها الخشية من استفزاز الولايات المتحدة من خلال خلق منصة أكبر لهيمنة الصين اقتصادياً على الساحة العالمية وهذا يؤدي إلى اشتداد المنافسة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين, كما يأتي الإعلان في ظروف عالمية شديدة الاضطراب والتبدل حيث تواجه روسيا العضو في التكتل محاولة عزل دولية بسبب غزوها أوكرانيا مطلع العام 2022 وفرض عقوبات غير مسبوقة عليها.
لكن في أواخر نوفمبر — تشرين الثاني لعام 2023 أعلن فوز مرشح أقصى اليمين "خافيير ميلي" رئيساً للأرجنتين بنسبة 55.95% من إجمالي الأصوات. وقبل ذلك, كان الرئيس الأرجنتيني السابق "ألبرتو فرنانديز" قد أعلن عن انضمام الأرجنتين إلى تكتل بريكس بحلول عام 2024. وفي أواخر ديسمبر — كانون الأول لعام 2023 أعلن "خافيير" أن الأرجنتين تعلن رسمياً عدم انضمامها إلى مجموعة بريكس وأنه يرى أن الانضمام لبريكس غير مناسب.
تاريخياً, صاغ "جيم أونيل" -والذي كان كبير خبراء الاقتصاد لدى مؤسسة الخدمات المالية والإستثمارية الأمريكية متعددة الجنسيات "Goldman Sachs"- مصطلح BRIC عام 2001 لوصف الأسواق الناشئة في البرازيل وروسيا والهند والصين. ومنذ عام 2000 حتى 2008 لوحظ ارتفاع حصة هذه البلدان في الناتج المحلي بشكل ملحوظ خاصةً أن أداء اقتصاداتها كان أفضل من المتوسط خلال فترة أزمة الرهن العقاري التي بدأت أواخر العام 2008. وللتنسيق بين قادة هذه الدول, بدأت سلسلة اجتماعات غير رسمية على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة بين وزراء خارجية هذه الدول بدءاً من سبتمبر — أيلول عام 2006 في نيويورك ولاحقاً في مايو — أيار عام 2008 في روسيا, وكانت أولى اجتماعات التكتل عندما عقدت أول قمة بين رؤساء الدول الأربعة في جزيرة "هوكايدو" اليابانية في روسيا في يوليو — تموز عام 2008 حيث اجتمعت آنذاك مجموعة G8 *.
يُرى أن توسع التكتل سيجعله منافساً قوياً لاقتصاد الدول الغربية وأدواته وهذا بحد ذاته يعد إنجازاً ثانياً يحسب للتكتل, بعد إنشاء بنك التنمية الجديد عام 2014 في البرازيل الدولة العضوفي التكتل الذي يستهدف تمويل مشاريع بنى تحتية في دول المجموعة بعيداً عن شروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي, وأيضاً من أهداف التكتل التخلص تدريجياً من هيمنة الدولار في تعاملاتها وصولاً لأن تكون لها عملة موحدة على غرار اليورو في الاتحاد الأوروبي الذي تم تأسيسه عام 1999 وطرحه للتداول مطلع عام 2002. من جهة أخرى كذلك, يُرى أن توسع التكتل مصمم على قياس الصين ليخدم مصالحها الاستثمارية الأجنبية فيما يبدو ظاهراً أنها انتهزت فرصة توسع التكتل لذلك.
بالإضافة إلى ذلك, يُنظر إلى تكتل بريكس على أنه منافس قوي لمجموعة G7 الصناعية ذات السبع أقوى اقتصادات عالمياً وهم (كندا, فرنسا, ألمانيا, إيطاليا, اليابان, المملكة المتحدة, الولايات المتحدة) خاصةً أن تكتل بريكس يحتوي على الدولة التي لديها أكبر نسبة في الاستثمار الأجنبي المباشر وهي الصين حيث حققت 180 مليار دولار في العام 2022 بحسب قاعدة بيانات البنك الدولي, والتي بطبيعتها تشكل نسبة تصل إلى 10% من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على مستوى العالم. إلى جانب القوة الاقتصادية في التكتل, فنسبة سكانه عند التوسع ستكون قرابة 46% من إجمالي سكان الأرض وهذه النسبة تحتل على قرابة 32% من إجمالي مساحة اليابسة مما يعزز فكرة توسع التبادل التجاري بين الدول ذات الكثافة السكانية العالية وذات أسواق واسعة.
تتشارك دول التكتل ذات التوجه والرؤية حيال كون تكتل بريكس بديلاً للنظام العالمي الذي تهيمن عليه الدول الكبرى اقتصادياً حيث تتفق دول بريكس على أن التكتل سيخدم مصالح الدول النامية بشكل أفضل ساعين للتحول إلى قوة اقتصادية عالمية على غرار G7. وعلى الطرف الآخر, يرى مسؤولون أمريكيون أن تحوّل تكتل بريكس إلى منافس جيوسياسي واقتصادي هو أمر مستبعدٌ فبحسب تصريح مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان: "إن الولايات المتحدة تستبعد تحول مجموعة دول بريكس إلى منافس جيوسياسي لها أو لأي بلد آخر وهذه "أي تكتل بريكس" مجموعة متنوعة من الدول لديها اختلاف في وجهات النظر بشأن القضايا الحاسمة".
لعل أكثر المواضيع اهتماماً في تكتل بريكس بعد الإعلان عن الموافقة على طلبات انضمام 5 دول جديدة إليه هو موضوع العملة الموحدة (في بعض الأحيان تسمى بشكل غير رسمي بعملة بريكس), إذ دعا الرئيس البرازيلي "لويس إيناسيو لولا دا سيلفا" دول تكتل بريكس خلال القمة الأخيرة إلى إنشاء عملة مشتركة للتجارة والاستثمار للحد من هيمنة الدولار الأمريكي في المعاملات الدولية, وأشارت وسائل الإعلام الحكومية الروسية خلال الأيام التي تلت تصريحه إلى أن العملة المشتركة ستمكن من خفض حجم الاعتماد على الدولار والنفوذ الاقتصادي الأمريكي, بالرغم من أنه لم تتم مناقشة هذا المقترح في قمة المجموعة الأخيرة التي أقيمت في أغسطس — آب لعام 2023.
في المقابل, ذكر "جيان ماريا ميليسي فيريتي", الزميل البارز في مركز هاتشينز للسياسة المالية والنقدية التابع لمعهد Brookings (وهي مؤسسة فكرية أمريكية وواحدة من أقدم مؤسسات الفكر والرأي وهي تقوم بإجراء الأبحاث والتعليم في مجال العلوم الاجتماعية وفي المقام الأول تهتم بالاقتصاد والسياسة الحضرية والحكم والسياسة الخارجية والاقتصاد والتنمية في العالم), ذكر في مقابلة يوم 29 أغسطس أن أعضاء تكتل بريكس يمكن أن يحرزوا تقدماً في خفض حصة الدولار في تجارتهم الثنائية البينية لكن سيصعب عليهم الابتعاد عنه بصفته عملة احتياطية لسهولة شرائه وبيعه.
وأضاف قائلاً: "إن احتمال إنشاء عملة مشتركة لمجموعة بريكس لا يتمتع بالمصداقية", مسلّطاً الضوء على التباينات الواسعة في هيكل اقتصادات الأعضاء وفي مستوى تنميتها وفي انفتاح أسواقها المالية وفي إدارة عملاتها, وقال: "إن سيناريو تلاشي هيمنة الدولار في المستقبل سيكون إذا حدث ذلك مرتبطاً بسوء إدارة الاقتصاد الأمريكي مثل العجز المتضخم وليس بسبب جهود مجموعة بريكس".
وما يعزز قوله حول العملة الموحدة في جوهر اتفاقية تكتل بريكس فهناك معوقات أساسية لتنفيذ الفكرة أهمها أن عضوية البريكس ليست ملزمة لدولها في شيء فلا يملك تكتل بريكس قوة إلزام لأعضائه لتقييم النفط بالعملات المحلية حتى ولو كان في تعاملاته البينية وهذا الأمر من أكبر نقط الضعف للتكتل بشكل عام, وبشكل عام فدول التكتل والدول المرشحة للانضمام تدور تعاملاتها التجارية والمالية بشكل أساسي مع مجموعة السبع الصناعية بما فيها أكبر دول التكتل وهي الصين ومن هنا ستكون هذه الدول مضطرة لأن تستمر في تقييم النفط بالدولار لسهولة حصولها على ما يلزمها من دولار أو يورو لتسوية معاملاتها التجارية والمالية.
أضف إلى ذلك أن حلقة النفط الخاصة بإنتاجه في مراحله المختلفة لا تقتصر على بيع الخام فقط أو حتى المشتقات فهناك مراحل الاستكشاف والتنقيب والإنتاج والنقل والتأمين وكلها تقع في يد شركات أغلبها إما أمريكية وإما غربية وهو ما يجعل مقترح تقييم النفط بغير الدولار يواجه صعوبات ليست سهلة, والولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الخطوة التي تستهدف سحب أهم أوراق سيطرتها على الاقتصاد العالمي ورأينا كيف فعّلت أميركا ورقة التقنية في حربها مع الصين منذ 2018 حتى الآن.
في دراسة أجرتها جامعة كامبريدج نشرت مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا أواخر فبراير — شباط لعام 2022 حول تكتل بريكس ومدى قدرته ليكون تحالفاً لوقف الدولرة, ذكر الباحثون أنه تاريخياً قد شهدت جميع الدول الأعضاء الخمسة عقوبات أمريكية ولا تزال روسيا والصين تخضعان لمستويات مختلفة من العقوبات الأمريكية, وكان الحد من الاعتماد على الدولار الأمريكي وتنويع العملة العالمية والنظام المالي أولوية معلنة علناً بالنسبة لمجموعة البريكس عندما اجتمعت المجموعة لأول مرة في عام 2009, وعندما انضمت جنوب أفريقيا في عام 2010 أكدت البريكس اهتمامها المشترك بهذه القضية.
في ذات السياق, تواجه دول البريكس أيضاً معضلة: ففي حين أنها تفضل الحصول على بدائل للدولار الأمريكي باعتباره العملة المهيمنة، فإن انخفاض قيمة الدولار من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض قيمة ممتلكاتها الكبيرة من الأصول المقومة بالدولار, وبالتالي، يتعين عليهم أن يوازنوا بين رغبتهم في اكتساب قدر أعظم من النفوذ الدولي والاستقلال المالي، والتكاليف المادية المترتبة على إضعاف موقف العملة المهيمن للدولار الأمريكي.
بالحديث عن تكتل بريكس ذاته, يعتمد الهيكل المالي لبريكس على عنصرين رئيسيين هما "بنك التنمية الجديد (NBD - New Development Bank)" ويشار إليه أحياناً بـ "بنك تنمية بريكس (BRICS Development Bank)", و "ترتيبات احتياطي الطوارئ (CRA - Contingent Reserve Arrangement)".
يُعَرَّف "بنك التنمية الجديد" الذي أنشئ عام 2014 بأنه بنك متعدد الأطراف تديره مجموعة دول بريكس وفقاً لاتفاقية بنك التنمية الوطني التي تنص على أنه: "يجب على البنك دعم المشاريع العامة أو الخاصة من خلال القروض والضمانات والمشاركة في رأس المال والأدوات المالية الأخرى". بلغ رأس المال المبدئي المصرح به للبنك 100 مليار دولار أمريكي مقسمة إلى مليون سهم بقيمة اسمية تبلغ 100,000 دولار لكل سهم, وبلغ رأس المال المكتتب الأولي للبنك 50 مليار دولار أمريكي مقسمة إلى أسهم مدفوعة (10 مليار دولار) وأسهم قابلة للاستدعاء (40 مليار دولار) موزعة بالتساوي بين الدول الأعضاء المؤسسين. ينص الاتفاق بشأن بنك التنمية الوطني على أن لكل عضو صوت واحد ولن يتمتع أي عضو بحق النقض "الفيتو".
يتناول بنك التنمية الجديد في أعماله مجموعة متنوعة من المجالات مثل البنية التحتية والطاقة المتجددة والنقل والصناعة والابتكار التكنولوجي وإنشاء مشاريع جديدة للطرق والجسور والسكك الحديدية وإمدادات المياه والبنى التحتية ويهدف كذلك إلى تعزيز التنمية المستدامة وتحقيق التوازن بين الجوانب الاقتصادية والبيئية والاجتماعية.
إن إنشاء بنك التنمية الجديد يسمح أولاً وقبل كل شيء لدول البريكس بالاقتراض من أسواق رأس المال الدولية بمعدل أقل بكثير لأن بنك التنمية الجديد كان قادراً على الحصول على تصنيف ائتماني أعلى من معظم أعضاء البريكس, فمنذ إنشاء بنك التنمية الجديد في عام 2014، شهدت البرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا عدة جولات من خفض التصنيف الائتماني إلى منطقة "غير المرغوب فيها", ثم أدى تدهور تصنيفاتها الائتمانية إلى زيادة تكاليف اقتراضها في أسواق رأس المال الدولية.
ورغم أن الهند لم تشهد خفضاً لتصنيفها الائتماني خلال هذه الفترة، فإن أدنى تصنيف لها من حيث الدرجة الاستثمارية لم يكن مثالياً أيضاً. ولذلك، كان الأعضاء الخمسة ملتزمين بالحصول على تصنيف ائتماني أعلى لبنك التنمية الجديد وقد نجحوا: فقد حصل بنك التنمية الجديد على تصنيف ائتماني AA+ من وكالة ستاندرد آند بورز وفيتش، وهو أعلى من أي تصنيف ائتماني فردي لبنك في دول تكتل بريكس، بما في ذلك الصين.
يسمح هذا التصنيف للعديد من أعضاء مجموعة البريكس بالاقتراض من أسواق رأس المال العالمية بأسعار فائدة أرخص بكثير من خلال بنك التنمية الجديد ذي التصنيف الأعلى مما يمكنهم فعله بمفردهم. إن التصنيف الائتماني المرتفع لبنك التنمية الجديد يسمح له بجمع رأس المال بتكلفة رخيصة نسبياً من أسواق السندات والإقراض بأسعار فائدة أقل مما يمكن أن يحصل عليه بعض المقترضين السياديين من مجموعة البريكس أنفسهم.
سلط نائب رئيس بنك التنمية الوطني الجديد "ليزلي ماسدورب" الضوء على قدرة بنك التنمية الوطني الجديد على الاقتراض بتكلفة أقل باعتبارها "ميزة كبيرة" لأنها تمكن بنك التنمية الجديد من تمرير هذه الميزة في شكل أسعار فائدة تنافسية عندما يقدم القروض لأعضائه.
هذا بالنسبة للبنك, أما بخصوص "ترتيبات احتياطي الطوارئ" فهي اتفاقية تم التوقيع والمصادقة عليها عام 2014 ودخلت حيز التنفيذ إلى جانب اتفاقية إنشاء بنك التنمية الجديد عام 2015, وتهدف إلى توفير الدعم المالي في حالات الطوارئ الاقتصادية فهي بحد ذاتها ليست بنكاً ولكن آلية لتوفير سيولة مالية في حال حدوث أزمات مالية أو اقتصادية وإطار لتوفير الحماية ضد ضغوط السيولة العالمية, ويتم تطبيق هذه الأهداف من خلال تأمين خطوط ائتمان طارئة فهي تعمل كمصدر للتمويل الطارئ من خلال توفير خطوط ائتمان للدول الأعضاء.
يُنظر إلى ترتيبات احتياطي الطوارئ (CRA) بشكل عام على أنها تشكل بديلاً أو تكملة للمؤسسات المالية الدولية القائمة مثل صندوق النقد الدولي (IMF) لعدة أسباب أهمها:
— الاستقلالية: تعتبر ترتيبات احتياطي الطوارئ مبادرةً مستقلةً تماماً تعتمد على الدعم المتبادل بين الدول الأعضاء في تكتل بريكس, بينما يدير صندوق النقد الدولي موارده من خلال اشتراكات الدول الأعضاء, فهذا يؤدي إلى تمرير بعض الأجندة السياسية أو ممارسة الضغط السياسي على الدول التي تريد الاقتراض من صندوق النقد الدولي من قبل الدول ذات المساهمة الأكبر في حصة تمويل الصندوق لأن الدول ذات الاقتصادات الكبيرة تلعب دوراً هاماً في تحديد السياسات, عدا عن شروط الصندوق التي تكون قاسية على الاقتصاد المقترض طمعاً بسعر الفائدة المنخفض.
— تعزيز التعاون بين الدول الناشئة: تبرز ترتيبات احتياطي الطوارئ في التعاون الاقتصادي والمالي بين الدول الناشئة في تكتل بريكس وهذا يعد تحولاً نحو نهج جديد يعتمد على التعاون المباشر بين الدول الناشئة ويستند إلى القدرة على تلبية احتياجاتها المالية والاقتصادية بشكل أكبر بدون الاعتماد الكامل على المؤسسات الدولية الكبيرة.
— تنويع الخيارات المالية: تقدم ترتيبات احتياطي الطوارئ خياراً إضافياً للدول في تكتل بريكس للوصول إلى التمويل في ظروف الطوارئ وبالتالي تسعى لتنويع مصادر التمويل بعيداً عن التبعية الكاملة على مؤسسات مالية دولية أخرى.
على الرغم من كل ذلك، يجب أن يشدد على أن ترتيبات احتياطي الطوارئ لا تعتبر بديلاً كاملاً لصندوق النقد الدولي بل هي إحدى الوسائل التكميلية التي تعكس التزام الدول الناشئة بتعزيز التعاون المالي بينها.
الجدير بالذكر أن الأمر الجوهري الذي تتداوله دول التكتل هو إنشاء نظام مدفوعات خاص بدول التكتل وذلك ليكون بديلاً عن نظام سويفت العالمي للمراسلات والتحويلات البنكية بين البنوك, ففي مقابلة أجراها نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أنه تم الحديث بالفعل عن هذا الأمر في قمة بريكس 2015 المقامة في روسيا قائلاً أن وزراء المالية والتنفيذيين في التكتل يتفاوضون حول هذا الأمر ليتم وضع أنظمة الدفع والانتقال إلى التسويات بالعملات وطنية ليكون نظام دفعٍ متعدد الأطراف والجنسيات من شأنه توفير قدر أكبر من الاستقلالية المالية والمصرفية, وهذا بالتبعية سيخلق ضمانة أكيدة لتكتل بريكس.
وقد تجلى هذا الأمر بعد الغزو الروسي لأوكرانيا مطلع عام 2022 حيث واجهت سيلاً من العقوبات وصلت إلى حد حرمانها من الوصول إلى نظام سويفت العالمي, وعلى ذلك فإن التركيز على إنشاء نظام داخلي موحد خاص بالتكتل سيؤدي إلى تعزيز استقلالية الدول الأعضاء في التكتل في مجال التحويلات المالية الدولية وذلك من خلال الاعتماد على نظام دفع خاص بها بدلاً من الاعتماد الكامل على نظام SWIFT العالمي, إلى جانب الحد من التأثيرات الجانبية للعقوبات الاقتصادية وتقليل التبعية على النظام المالي العالمي الغربي وتجنب التعامل بالعملات الرئيسية وتعزيز التعاون الاقتصادي الجنوب-جنوب **.
في الختام، يظهر بوضوح أن تكتل بريكس يشكل قوة اقتصادية متزايدة فبفضل تطور بنك التنمية الجديد وترتيبات احتياطي الطوارئ يتعزز دورهما الحيوي في تعزيز الاستقلال المالي وتحقيق التنمية المستدامة فمن خلال التركيز على استخدام العملات الوطنية وتعزيز التعاون الاقتصادي, تعكس دول التكتل التزامها بتحقيق تأثير فعال ومستدام في المستقبل.
وبصفتها قوة ناشئة في المشهد الاقتصادي العالمي، تستمر دول التكتل في مواجهة التحديات والسعي نحو بناء نظام مالي متين يسهم في تشكيل مسار الاقتصاد العالمي وتعزيز الاستثمارات وتعزيز التبادل التجاري، مما يبرز أن تكتل بريكس ليس مجرد مجموعة اقتصادية بل قوة تعاونية تسعى إلى تحقيق التنمية والتوازن الاقتصادي العالمي.
Share this post with others
لدينا حملة مبيعات على دوراتنا ومنتجاتنا . يمكنك شراء 50 منتجاً بسعر مخفض يصل إلى 50 ٪ خصم.